أشغلت قضية المرأة ال
عالمبأسره وهي القضية الجدلية التي كان لمنابرنا الإعلامية منها نصيب بين
منادٍ لتحرير المرأة ومتخوف من تغريبها وتعالت الأصوات حتى بحت. إلا أنني
كلما استمعت لها أتساءل عن نصيب قضية
الرجلمن هذا الاهتمام! من لهذه القضية المنسية في زمن انساق مفكروه ومنظروه مع
موجة قضية المرأة التي أدركنا بلاشك أنها تعاني من مشاكل بحاجة لإعادة
النظر لإيجاد الحلول لها وعلمنا أن لها خصوصية يجب أن تحافظ عليها وأن لها
عادات وتقاليد يجب أن تلتزم بها لتواجه مخاطر وتحديات تحدق بها وتستهدفها
في هذه المرحلة.
جميل أن تكون لدينا تلك النظرة المستقبلية العميقة
والتحسب لما يحمله الغد من متغيرات تمس أسلوب حياة المرأة وتهدد الأسرة
والمجتمع بالخطر, إلا أن الأولوية يفترض أن تكون للظواهر الخاطئة التي طفت
على السطح وترسخت لدى
الرجل وبتنا نعاني منها. فلبعض مفاهيم
الرجلومشاكله الأولوية في التقويم كوننا نعيشها اليوم وتستحق معالجتها قبل أن
نسعى لإيجاد حلول لما نتوقع حدوثه للمرأة في ضروب الغيب... وما نعيشه من
انشغال بقضية المرأة يجعلنا أسرى لثقافة النعام الهاربة من مواجهة واقعها,
وحالنا يشبه قطعاً حال المصاب بمرض خطير يهمل علاجه ليتعاطى أقراصاً مقوية
للمناعة خشية الإصابة بالزكام.
سأختصر تساؤلاتي وأحصرها في محاولة يائسة من خلال الصور للبحث عن خصوصية
الرجل وعاداته وتقاليده والتعرف على مكياله لقياس الأمور:
*
مشاهد مؤسفة وصور شاذة تشوه وجه مجتمعنا نراها في الشارع وفي الأسواق
لملاحقات ومضايقات للنساء ويرمي هؤلاء اللوم على تبرج النساء وعدم
التزامهن بالعادات والتقاليد أو خروجهن بلا محرم, وقد أصبحنا على مشارف
التكيف والتسليم بأن تعرض
الرجلللمرأة بهذا الشكل المخجل يُعد مبرراً وعاملاً مهما يجب أن يوضع بعين
الاعتبار قبل التفكير بمنح المرأة أياً من حقوقها المكتسبة في المجتمع..
ولا بأس, لكن السؤال الذي يطرح نفسه منذ متى كان من حق
الرجلومن عاداته وتقاليده أن يتعرض للمرأة بهذا الشكل ملتزمة كانت أم متبرجة?..
وأين تقع من قاموس التقاليد مفردات الشهامة والمروءة والقيم الأخلاقية
والدينية التي يجب أن يتسم بها
الرجل?
الرؤية القاصرة لجانب واحد من المشكلة والاهتمام والحرص على طرف واحد دون
الآخر يؤدي حتماً إلى مفهوم مغلوط يترسخ بداخل شبابنا. فإذا ما تم القضاء
على الأخطاء التي تقع من الجانب النسائي دون تقويم هذا المفهوم لدى الذكور
ستكون النتيجة حتماً صوراً مخجلة تصدر عن سفراء مجتمعنا من الشباب عندما
يسافرون للخارج إذا ما اعتقدوا أن لهم الحق بارتكاب تلك الممارسات تحت
ظروف معينة وبأعذار لا يقبلها عقل ولا دين.. ومهلاً!! فهذا الأمر واقع ولا
يحتوي على اجتهاد أو استشفاف لمستقبل بعض شبابنا الواعد خاصة وأن انعكاسات
انتشار تلك المفاهيم الذكورية العقيمة نعاصرها ونلمسها في صور مشوهة
يرسمها في الداخل والخارج من أفرزتهم تلك الرؤى التي أسهمت برفع مسؤولية
الذكر عن ممارساته الخاطئة والصقت العلة بالظروف المحيطة به والمغريات
وخرج بثقافة مهترئة معتقداً بأن المرأة سبية له إذا تخلت عن عادات وتقاليد
وأخلاقيات لم يلتزم هو بالضرورة بها لأنه رجل.
* ونعود لنقطة الصفر
باجتهادات قصيرة النظر بخصوص مشكلة خروج المرأة للعمل في نفس الوقت الذي
يعلم فيه هذا وذاك أنهم بحاجة لتعليم بناتهم وعلاج زوجاتهم وغير ذلك.
ونستمع إلى حجج من يتبنى رؤية قرار المرأة في منزلها دون قيد أو شرط أو
بدائل منطقية... فهل البديل لممارسة المرأة لأعمالها أن يمارسها
الرجلفنتجه للاختلاط مثلاً? أم نكتفي باستقدام النساء المتخصصات من الخارج
لتلبية احتياجات المجتمع وتحقيق التوازن? أم نستسلم إلى الأمر الواقع
فيصبح على المرأة العاملة أن تتحمل معاناة نفسية تفوق معاناة
الرجلالطبيعية في عمله بسبب مواجهة تلك النظرة القاصرة ممن يحتاج لها ويرفض أن
يعترف بها... أو لعلنا نفكر ولو على استحياء بتناول قضية رجل يعجز عن
التوفيق بين مطالبه ومفاهيمه فيُصارع المعاناة مع نفسه قبل أن يصدرها
لغيره ونفشل معه في صياغة واقع متوازن ومنصف لأن العزة تأخذه بالخصوصية
المزعومة والمرتبطة بعدم تغيير القناعات والمكتسبات المتوارثة وإن ثبت له
عدم صحتها أو استنادها إلى أصول شرعية.
ثمة تساؤلات حائرة أستفتح بها قضية
الرجللا المرأة وللتساؤلات والصور والإفرازات بقية لابد وأن أشير قبل استكمالها
إلى أنني لست منافحة عن دعاة تحرير المرأة ولا مهاجمة لمتخوف من تغريبها,
فكلاهما من وجهة نظري عليهما البدء بحل إشكالية
الرجل لتتمكن المرأة على ضوء ذلك من تشكيل مستقبلها في أجواء صحية وبرؤية واضحة لا تشوبها الصراعات ولا تجرفها التيارات.